الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية عقود عمل وهمية في دول خليجية وتأشيرات بآلاف الدينارات! الدعارة والتشرّد يعصفان بفتيات وشبان تونسيين

نشر في  24 فيفري 2016  (11:03)

تنطلق القصة بإعلانات على صفحات الجرائد أو بعض المواقع الالكترونية أوالصفحات الفايسبوكية لمكاتب أو شركات أو لأشخاص يقدمون عروضا مغرية للباحثين عن العمل، عناوين مهمة كـ «لا تفوت فرصة العمل في الخليج» أو «اضمن مستقبلك واحصل على فرصة عمرك».. وأحيانا يضعون تفاصيل العقود وأهمها الأجور الخيالية ويصورون لهم الجنة المنتظرة، وأمام مشاكل سوق الشغل بتونس وتفشي أزمة البطالة، يتهافت البعض من شبابنا على هذه العروض ويكونون فريسة سهلة أمام بعض مكاتب التشغيل الوهمية، وبمجرد حصولهم على التأشيرة مقابل مبالغ مالية هامة تتراوح بين 4 و5 آلاف دينار وعقد شغل، فانهم يغادرون أرض الوطن على أمل التخلص من آفة الفقر والخصاصة، لكن وبمجرد وصولهم الى «الجنة الموعودة» يصطدمون بواقع مغاير تماما ويكتشفون أنهم كانوا ضحية فخّ وتحيّل...
وحسب شهادات لشباب كانوا ضحية هذه المكاتب والعقود الوهمية، فان هذه الشركات تعتمد وقصد الاغواء طرقا في ظاهرها قانونية حيث توفر لهم التأشيرات وعقودا مصحوبة بأرقام هواتف لكنها في المقابل تجبرهم على امضاء تعهد بعدم تحمل مسؤوليتهم بمجرد مغادرتهم مطار تونس قرطاج، وبمجرد وصول الشاب الى وجهته يجد كل أرقام الهاتف مغلقة كما لا يجد من يستقبله في المطار، وهنا تنطلق رحلة تشرّده وبحثه عن لقمة العيش.
ومن بين الدول التي تعتمدها هذه الشركات لاستقطاب الشباب، دولة قطر التي توفر تأشيرات في متناول التونسيين.. أخبار الجمهورية حاولت تسليط الضوء على عقود العمل الوهمية، وعلى أبرز الشركات المتحيلة، كما تحصلنا على شهادات لبعض الشباب الذين كانوا ضحية لعمليات التحيل، وحاورنا أيضا رئيس مجلس الجالية التونسية في قطر محمد عمار ..

أكثر من ألف ضحية لعقود العمل الوهمية

في البداية استهل محمد عمار رئيس مجلس الجالية التونسية في قطر، حديثه معنا بطرح سؤال رآه جوهريا وهو «أين الدولة التونسية في كل ما يحصل؟» وذكر محدثنا أن عمليات التحيّل في بيع التأشيرات لقطر تفاقمت كثيرا في السنوات الأخيرة، حيث أكد أن عدد التونسيين لم يتجاوز ال5 آلاف تونسي قبل الثورة ليتضاعف اثر ذلك الى 21 ألف تونسي، وأشار الى أن أكثر من ألف شاب تحول الى قطر بعقود عمل وهمية بعد أن اشترى تأشيرات بمبالغ هامة من شركات مهمتها الوحيدة  التحيّل، واستغرب محمد عمار من عدم تتبع هذه الشركات قانونيا.
وذكر رئيس مجلس الجالية التونسية في قطر، أن قصة التأشيرات انطلقت منذ زيارة أمير قطر لتونس سنة 2013، حيث لاحظ ارتفاع عدد المعطلين عن العمل ووعد آنذاك بتمكين تونس من 25 ألف تأشيرة، وذكر أن رئاسة الحكومة كانت مطالبة بتشكيل لجنة متكونة من ممثلين عن مختلف الوزارات تتحول الى قطر لمعاينة السوق وتوزيع التأشيرات وفق المتطلبات، وهو الأمر ذاته الذي تقوم به وكالة التعاون الفني في القطاع العام، لكن هذا الأمر لم يحصل على حدّ تعبيره رغم تنبيه مجلس الجالية التونسية لخطورة استغلال هذه التأشيرات وتساهل الدولة القطرية مع الأمر، حيث ذكر أن وزير التشغيل السابق حافظ العموري زار الدوحة حيث التقى بممثلين عن المجلس وأشار الى أنه تمت المطالبة  بإحداث مكتب تشغيل مستقل في الدوحة على علاقة بوزارة التشغيل في تونس مهمته جمع عقود عمل كاملة الشروط، مؤكدا أن وزير التشغيل والتكوين المهني السابق تجاوب مع المقترح وأن المكتب موجود حاليّا لكن بشكل صوريّ لا غير.

حقيقة التأشيرات وعقود العمل

من جهة أخرى بين محمد عمار أن المئات من الشباب تعرضوا لعمليات تحيّل من قبل مكاتب تشغيل منتصبة في تونس تمكنهم من الحصول على التأشيرة للسفر إلى قطر مقابل مبالغ مالية هامّة تتراوح بين 4 و5 ألاف دينار ليجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل باعتبار عدم تحصلهم على عقود شغل وعدم مرورهم بالمسالك القانونية.
وأفادنا أن التأشيرات تباع في قطر خاصة للتونسيين والمصريين والسوريين والفلسطينيين بمبلغ مالي لا يتجاوز ال200 دينار، وأن هؤلاء على علاقة بمكاتب توظيف منتصبة في تونس، حيث يقع التفاهم معا على الايقاع بالشباب وبيعهم هذه التأشيرات بمقابل مالي مرتفع على أن يقع اقتسام المرابيح فيما بينهم .
ومن بين الشركات المتحيلة واحدة يقع مقرها بجهة مونبليزير وأخرى معروفة جدا بجهة الباساج قبالة جامع الفتح وهي شركة «ح وح» (اسما صاحبي الشركة) وغيرهما من الشركات المنتصبة في مختلف ولايات الجمهورية خاصة ببنزرت وسوسة والمهدية مؤكدا أن هذه الشركات مدعومة من جهات رسمية على حدّ تعبيره رغم عدم حصولها على الترخيص القانوني للنشاط.
وذكر محمد عمار أن هذه الشركات وبعد بيعها التأشيرات وتسليمها عقود عمل وهمية تجبر الشاب على امضاء عقد يخلي مسؤوليتها بمجرّد مغادرة الشاب لمطار تونس قرطاج.

شبكات دعارة على الخط

ومن المعلومات الخطيرة التي تمكنا من الحصول عليها، أن التأشيرات تباع للذكور بمقابل مادي يتراوح بين 4 و5 آلاف دينار في حين يقع بيعها الى الفتيات بمبالغ تتراوح بين 10 و15 ألف دينار، حيث أكد لنا محمد عمار أن بعض الفتيات يجدن أنفسهن بمجرد وصولهن مطار الدوحة داخل دوامة شبكات الدعارة، مؤكدا أن الجالية التونسية تضررت كثيرا من هذه الممارسات خاصة وأن النظرة تجاههم تغيّرت وبات قوامها النفور وغير ذلك من الأساليب...
ختاما أكد محمد عمار أن الدولة التونسية مطالبة بتحمل مسؤوليتها وعدم التعامل مع أبنائها «كأرقام» وتفعيل دور مكتب العمل المستقل في السفارة التونسية في قطر.

شهادات مباشرة من قطر

من جهة أخرى تمكنا من الحصول على شهادات من قبل بعض الشباب بقطر والذين تعرضوا لعمليات تحيل من قبل شركة «ح وح» الكائنة بجهة الباساج قبالة جامع الفتح، في البداية أكد أحد الشبان لأخبار الجمهورية أن صاحبة الشركة عرضت عليه تأشيرة مدتها 5 سنوات بمقابل مالي قدره 4500 دينار مع توفير عمل كسائق باحدى شركات الحراسة وتوفير مسكن، مضيفا أنه وبمجرد وصوله مطار الدوحة لم يجد أي شخص في انتظاره كما تم الاتفاق بينه وبين صاحبة الشركة «ح»، وبعد قضائه مدة يومين مشردا، فانه استأجر منزلا بالمال الذي بحوزته، وهو اليوم عاطل عن العمل ويمر بظروف اجتماعية قاسية.
نفس الأمر بالنسبة لشاب آخر وعدته المديرة «ح» بتوفير عمل في قطر في مجال «الألمنيوم» وبتأشيرة مدتها 5 سنوات وبعد أن سلمها مبلغا ماليا قدره 4500 دينار لاقى نفس مصير صاحب الشهادة الأولى، وأكد هذا الشاب أنه كان يملك ورشة وسط العاصمة اضطر لبيعها من أجل سداد معلوم التأشيرة.
نفس الأمر بالنسبة للشهادة الثالثة التي تعرض صاحبها كما أكد لنا لعملية تحيّل من قبل ذات الشركة، حيث أكد هذا الأخير أنه سلم «ح» ألف دينار ثم 3500 دينار حيث وعدته بعمل ومسكن صحبة شابين آخرين مضيفا أنه وبوصولهم الى مطار الدوحة لم يجدوا أحدا في انتظارهم، مما أجبرهم صحبة مجموعة من الشباب التونسي وعددهم 13 الى تسوغ منزل بـ400 دينار تونسي يحتوي على غرفتين فقط.
ختاما نذكر أن قائمة المؤسسات المتحصلة على الترخيص القانوني موجودة على موقع الواب الخاص بوزارة التشغيل وعلى الراغبين في الحصول على عقود عمل ما عليهم سوى التثبت في مصداقية هذه الشركات أو اتباع المسالك القانونية والشركات المرخص لها، كما نوجّه نداء الى الحكومة التونسية لتتبع هذه الشركات الوهمية التي ترمي بشبابنا في غياهب المجهول بعقود عمل وهمية مع العلم وأن مقرات هذه الشركات مكشوفة للجميع وليس صعبا التوصل إلى معرفتهم.

ملف من اعداد : سنــاء الماجري